חוצות - כתב עת תרבוטיפוליטי

גליון 4

الذات الفلسطينية والنكبة - بين السلب والاعتراف في السياق الجمعي - الفردي - العلاجي د. صفاء غنادري-نصر ومنى شيمي

سنحاول في هذه المقالة التمعن بالذات الفلسطينية وقصتها عن النكبة، وبالتحديد بتجربة المهجرين الداخليين وتداعياتها في الغرفة العلاجية. خلال النقاش سننتقل في حيز الزمان والمكان، بين الماضي والحاضر والمستقبل، بين السياق الفردي والجمعي، بين العالم الداخلي والخارجي وبين الواقعي والرمزي.

د. صفاء غنادري نصر
أختصاصية نفسية عيادية، مشرفة؛ تعمل في عيادتها الخاصة في كفرياسيف وفي عيادة الصحة النفسية بنهاريا. مشرفة ومعلمة في مدرسة العلاج النفسي بالجليل ومحاضرة في كلية اورانيم برنامج اللقب الثاني في الاستشارة التربوية.
منى شيمي
اختصاصية نفسية عيادية، تعمل في عيادتها الخاصة في كفرياسيف. متخصصة بعلم النفس التربوي، مختصة ومرشدة لطواقم مهنية بمجال العمل مع اطفال وشبيبة في ضائقة.

תאריך פרסום: 15/10/2022

"Palestine and Palestinians remain, despite Israel’s concerted efforts from the beginning either to get rid of them or to circumscribe them so much as to make them ineffective […] there is no getting away from the fact that as an idea, a memory, and as an often buried or invisible reality, Palestine and its people have simply not disappeared" (Said, 1998, Scenes from Palestine).

 

سنحاول في هذه المقالة التمعن بالذات الفلسطينية وقصتها عن النكبة، وبالتحديد بتجربة المهجرين الداخليين وتداعياتها في الغرفة العلاجية. خلال النقاش سننتقل في حيز الزمان والمكان، بين الماضي والحاضر والمستقبل، بين السياق الفردي والجمعي، بين العالم الداخلي والخارجي وبين الواقعي والرمزي.

   يُشير أوجدين (2011) إلى حاجة المُعالَج للشعور بأنه حي ومعروف "أن تشعر أن المحلل يعرف من أنت" (ص 247). تُدرك التوجهات المعاصرة في الخطاب التحليلي أن المعرفة الحية والحقيقية لجوهر الفرد لا يمكن أن تقتصر على عالمه النفسي الداخلي، وتتطلب وعيًا نقديًا للسياق الواسع لحياته، ولتأثيرات المفاهيم الاجتماعية-السياسية وموازين القوى وعمليات القمع السياسي على روح الفرد (Aibel, 2018 ؛ زيف، 2020). بالنسبة للفلسطيني، يبدأ ذلك بالإصغاء إلى قصته التاريخية، بما في ذلك تجاربه مع النكبة من وجهة نظره الذاتية  (أبو حق، 2020 ؛ Landy, 2013) بينما يتم تفكيك والتحرر من النظرة الاستعمارية العنصرية للآخر المحتل (Frosh, 2013 Sheehi, 2018;). هذا بالطبع لا يعني أن الإلمام بالنكبة يشكل معرفة شاملة ووافية بالذات الفلسطينية، وانما إطلاع على محور مركزي لكيانها وهويتها.    

نكبة الفرد والجماعة

  تلقي مأساة النكبة الوطنية والشخصية التي أدت إلى تفكك المجتمع وتركته في حالة اضطراب سياسي واقتصادي ونفسي بظلالها على الوجود الفلسطيني حتى يومنا هذا، مصحوبة بمشاعر عميقة من الصدمة، وعدم اليقين، والذنب، والغضب والصراع العنيد من أجل البقاء (11Sa'di & Abu-Lughod, 2007; Kassem, 20). حين نتحدث عن النكبة فنحن نشير إلى هدم معظم القرى والبلدات الفلسطينية وطرد وتشريد القسم الأكبر من سكانها. وفقًا لتقديرات مختلفة، تم تدمير 400-500 قرية خلال الحرب (Abu-Sitta, 2004 ; واكيم ، 2001) وما يقارب 3/4 مليون فلسطيني أصبحوا لاجئين، استقر معظمهم في الضفة الغربية وقطاع غزة و الدول العربية المجاورة. بقي في الأراضي التي عُرفت فيما بعد كدولة إسرائيل، ما يقارب مائة وستون ألف فلسطيني (أقل من خمس السكان الذين عاشوا في المنطقة عام 1947) الذين وجدوا أنفسهم أقلية مميّز ضدها، داخل دولة أخضعتهم للحكم العسكري لحوالي عشرين عامًا (أبو بكر وربينوفيتش، 2004 ؛ أسوتسكي-لزار، 2002)، نصفهم أيضًا من المهجرين داخليًا الذين حرموا من العودة إلى قراهم أو استخدام ممتلكاتهم (واكيم، 2001).

إلا أن مأساة الشعب الفلسطيني بعد النكبة أُنكِرَت وغابت عن الوعي العالمي والأكاديمي لسنوات عديدة. لقد تم إخفاء تدمير المجتمع الفلسطيني من خلال الوجود الكثيف لـ "قصة المنتصر" وما تم تقديمه وفهمه أيضًا على المستوى الدولي كميلاد دولة إسرائيل وخلاص الشعب اليهودي، وظلت النكبة لسنوات طويلة صدمة بصعوبة تلقى الاعتراف  خارج العالم العربي (Sa'di & Abu-Lughod, 2007; Ram, 2009). هذا ونشهد في العقود الأخيرة أنماط تغيير وحضورًا متزايدًا للفلسطيني وقصته في الوعي العالمي، ويرجع الفضل في ذلك جزئيًا إلى تطور وسائل الإعلام والاتصال التي تمكن إيصال أصوات الناشطات والناشطين الفلسطينيين الشباب ونضالاتهم من أجل العدالة والتحرر الى المنصات العالمية (اختيار منى ومحمد الكرد لقائمة 100 شخصية مؤثرة في العالم في مجلة تايم (TIME) لعام 2021، هو مثال واحد من بين العديد من أنماط التغيير هذه).

     الحياة في ظل نظام الفصل العنصري بمختلف مستوياته، أو نظام التفوق اليهودي (جرينبيرج، 2022)، استمرار الاحتلال، الحروب والصدمات المتراكمة، واستمرار سياسة القمع والتمييز يمزجون الماضي بالحاضر. بالتالي بالنسبة للفلسطيني، لم يتم تشييد الظروف الآمنة بعد ليتمكن من التمعن بالماضي واستيعابه والحزن عليه (أبو حق، 2020 ؛ Liem, 2007). هكذا ينعكس الإسكات الخارجي في سيرورة موازية من الصمت النفسي الداخلي. في هذا السياق، كتب Nakhleh (2009) حول توثيق تجربته الذاتية مع النكبة:

"I have been hovering around the notion and desire to document this episode in my personal life, and in the collective life of my people, for some time now. I have been reluctant and fearful to embark on it for all the pain that oozes from it, and for the deep reflection and introspection that I have to undertake".

وُلد بحث الدكتوراه لدى صفاء (غنادري-نصر، 2012؛ Ghnadre-Naser & Somer, 2016; Ghnadre-Naser, 2019 ) من رغبة لسماع ومعرفة وتثبيت القصة الذاتية للفلسطينيين الذين مروا بالنكبة وواجهوا إسقاطاتها المباشرة وعواقبها بعيدة المدى. في القسم التالي سنقدم جزءاً من البحث الذي يركز  على تجربة النكبة والتهجير من القرية لدى الجيل الأول من المهجرين الداخليين. خلال ذلك سوف نقتبس بعض أقوال المشاركات والمشاركين[1] الذين تمت مقابلتهم في البحث، وكذلك مقتطفات من شعر محمود درويش الذي نجح في التعبير بطريقته المميزة عن صوت الذات الفلسطينية وتجاربها. 

"أنا أنا حاضر غايب بقولولي (يضحك) والله انا  مش عارف حالي  إذا كنت حاضر ولا  غايب...

صفاء: شو بقولك انك تكون حاضر غايب؟

حسن: معناه أني مش عارف مين أنا، اذا كنت حاضر كنت بعرف حالي أني حاضر، أني موجود هون في هاي البلاد، ولو اني غايب مثل اللي راح  ع حلب والشام وبيروت و ... أنا حاضر وهو غايب ". (حسن[2])

    تم إدخال مصطلح "الحاضر الغائب" في أوائل الخمسينيات من القرن الماضي لتنظيم الوضع القانوني للمهجرين الداخليين في إسرائيل، ولكنه بالفعل جاء لتشريع مصادرة ممتلكاتهم الخاصة ومنعهم من العودة إلى قراهم (واكيم، 2001). يعكس التناقض بين الكلمتين "الحاضر الغائب" ذات الفعل العنيف المتمثل في إنكار وجود الفرد في حيز المكان والزمان، وسلبه هويته وممتلكاته وحقه في تعريف ذاته بطريقته الخاصة. في كلمات حسن يمكننا سماع الارتباك والغربة اللذين يشعر بهما عندما يحاول أن يراقب نفسه من خلال نظرة المحتل الخارجي، التي تفرض عليه تعريفه وشطر كيانه. هذه التناقضات بين وجهة النظر والتجربة الذاتية وتلك المسقَطة من الخارج، بين الموجود وغير الموجود، بين المتواصل والمتقطع وبين الحضور والغياب، تميز محاور مختلفة من تجارب المهجرين ومسار حياتهم منذ التهجير إلى الوقت الحاضر.

في حضورهم، في واقع تواجدهم الخارجي، كافح المهجرون لإعادة بناء حياتهم وتلبية احتياجاتهم الأساسية. لقد عملوا بجد وتطوروا، ووصلوا على مر السنين إلى مستوى معين من الاستقرار وحتى لإنجازاتٍ مثيرة، نسبةً للفسحة محدودة الإمكانيات التي أتيحت لهم. ظروف حياتهم الصعبة تركت المهجرين في واقعٍ لا يسمح لهم الا بالعمل بجد ونشاط. من واقع النقص التام الذي تعرضوا له، الفاعلية والعمل الجاد كانا الخيار الوحيد المتاح لهم للبقاء واستمرار الحياة لأنفسهم ولأسرهم.

" بدينا نبني حياتنا من ولا اشيء، من تحت الصفر. جابونا وزتونا هون وفش معنا اشي، هيك بدينا من تحت الصفر " (غسان).  

"قلتله، ل----  إن ما كان كد الفتى من يمينه، هاي الجملة اعطتني دفشة كبيرة لقدام، إن ما كان كد الفتى من يمينه خبز الرجال عليه حرام" (عفيفة)

في غيابهم وفي واقعهم الداخلي واجه المهجرون صعوبة في التعامل مع شدة وحجم الخسائر التي تكبدوها وفي احتواء اضطرابات حياة اللجوء عاطفيًا ونفسيًا. هذه اضافةً إلى تحديات وعقبات الحياة - مثلهم كباقي السكان الأصلانيين الفلسطينيين - والحاجة إلى الصمود والنجاة تحت سلطة الحكم العسكري للدولة التي احتلتهم. بالتالي الألآم الشديدة نتيجة الصدمات التي مروا بها تتراكم بداخلهم، ويبقى الجرح مفتوحًا.

تبدأ صدمة النكبة بمجموعة واسعة ومتراكمة من عوامل الضغط والصعوبات والتحديات التي تعرض لها المهجرون أثناء الحرب وبعدها. إحساسٌ بصدمة فجائية مرعبة ميّز وصف المشاركين لمواجهتهم المباشرة مع أحداث الحرب. يبدو أنه حتى اللحظات الأخيرة، استمر السكان في ادارة حياتهم العادية في القرى والحقول، معتقدين أن سيرورة الحياة التي اعتادوها من الماضي هي ما ستستمر الى المستقبل. ومع اختراق الحرب لحيز القرية المحلي، تحطم الشعور بالأمان بوحشية، وانقطعت استمرارية الحياة (وونيكوت، 2004) ووجد السكان أنفسهم عاجزين أمام مواقف تهدد حياتهم، في وجه جنود وأسلحة ودبابات وطائرات بدون حماية أو حراسة.

"عجنا العجينات وبدنا نخبز الخبزات، أنا وجارتنا اللة يرحمها [...] عجنت العجين وخبزنا الخبز وبدنا نخبز خبزاتها، ولا الجيش بحوط البلد وبرجع الزلام للبيوت [. ..] أنا لحالي في البيت، بستنى زوجي يرجع لنحط شوية اواعي وننزل، ولا الجيش فايت علي، "قومي" مسك البنت وحطها بحضني وقالي: "هاي بنتك وهذا البيت مش الك، اطلعي برا!" وين حطونا؟ وين نزلونا؟ نزلونا وين زتونا؟ في ال----- في اللكة الأولى من فوق" (ندى)

"أنا وزوجي اتطلعنا، كان في بيت قدامنا رأسا... ولا فجأة وقع اشي من الطيارة وخبط... وقام الصراخ والحالة حالة، قامت الدنيا... أيدي انشلت... رحت لعند أخت زوجي وأخذت الاواعي، وما عدت عرفت كيف أحطهن، وغطيت البنت بالبطانية "(عفيفة)

"احنا انجبرنا نهرب، طلعنا بدون اواعينا، بدون الزيت، بدون ولا اشي، كله هذا ضل بالبلد، شو بدك توخذي، والله العالم ما تذوق اللي مرقناه بحياتهم، لو اسا مثل ما احنا قاعدين تيجي إسرائيل وتهاجم البلد هون، شو كنتي بتضلي هون؟ بدك تحمي حالك وبتطلعي، اكيد بتخافي، ما هو ولا معك سلاح تدافعي عن حالك، كان خوف بقولك، أللي مثلي منيح اللي بعدني بقدر أمشي" (سامي)

من ذوات اصحاب البيت والمكان، تحول السكان لأغراضٍ لأشياٍء تُقلع وتنتزع من مكانها، ويُشرَّع التصرف بها "تُهاجم، تُقطع، تُطرد، تُحمّل وتُرمى". إن تهجير السكان الفلسطينيين خلال النكبة يوصف في اللغة العربية بمصطلح الهَجيج. هَجَّجَ الشخص- أجبره على الفرار من مكانه ظلماً وقهراً (قاموس المعاني). يوضح المصطلح مرة أخرى سلب الإرادة والأمان والسيطرة من قبل الآخر المضطهِد، ويعكس شدة الضيق والإذلال الذي عانى منه السكان أثناء تهجيرهم.

"تركنا البيوت مفتوحة، البقر والجاج وأكلاتنا كل شي ضل هناك. الناس هربت هيك ... الناس طلعت وفي اللي ما انتبهوا يلبسوا شي باجريهم، لما أجى الجيش وصار يطخ، الناس هربت... كثير ناس هجت، انا كنت أشوف أطفال يركضوا حافين، ونسوان تبكي بالأحراش وهم هاجّين" (كمال)

تبينت تجربة  الهجيج من أصعب وأقسى التجارب التي وصفها المشاركون. غالبًا ما تجول الناس ومشوا لعدة أيام أو حتى أسابيع، ومروا في عدة محطات حتى وجدوا مأوى في إحدى القرى الأخرى. المسار المُنهك الذي سلكوه أدى ببعضهم إلى الوصول إلى الدول العربية والعودة، وببعضهم الى اللجوء والترحيل مرارًا وتكرارًا مع سكان القرى الأخرى التي لجأوا إليها. لقد كافحوا يوميًا من أجل البقاء، عانوا من نقصان بالاحتياجات الاساسية بما في ذلك العطش والجوع والإرهاق، وغالبًا لم يعلموا كيف سيبدو غدهم.

"في بلدة---- كانوا بصيام رمضان والاولاد معنا، جوع الأولاد جوعانين. كان مع جارتي شلن فلسطيني، ما احنا تركنا كل اغراضنا، وبدنا نروح نجيب اكل، بدنا نطعمي الاولاد. كانت واحدة تخبز في ----- جارتي تقولي انا اروح اجيب لنا رغيف خبز وأنا اقولها تروح هي، استحينا نروح، وبدنا نطعمي الأولاد وبديش اروح، وبالاخر شو... اشترينا تمر وطعمينا الأولاد، واحنا كنا صايمين "(زهرة)

"بنتي وسخت ع حالها وما كان معي اواعي أغيرلها. بذكر كان معي مريول وعلبة شوكولاتة وغيار للبنت. ولّا واحده من بلدنا شلحت الفستان من بنتها وقالتلي خذي لبسي بنتك. طب انا معيش شو ألبسها، صرت أبكي، ولا كان معنا ولا بطانية ولا اكل ولا شرب ولا كان معنا اشي "(ندى).

     تجربة الهجيج سُجلت وترسخت لدى المهجَّرين كتجربة مذلة لا تليق بالبشر. العبارات التي وصف فيها المشاركون ما مروا به تعكس هذا الشعور بالإذلال والتجريد من الإنسانية: "طلعنا مثل الشحاذين" ؛ "مزلبطين وحافيين" ؛ "ما معنا إشي زي البنآدمين" ؛ "كبونا" ؛ "حملوا الناس وزتوهم" وغيرها من المصطلحات التي تعبر عن التعامل مع اغراضٍ واشياء جامدة غير حية يمكن التصرف بها والغاء كيانها. يمثل الهجيج نقطة الانكسار والشرخ في حيز الزمان والمكان، لحظة تهجير وقلع  الذات الفلسطينية عن وطنها، قريتها، مجتمعها ومنزلها وحتى عن جسدها، إرادتها وإنسانيتها من قبل الآخر المحتل القامع.

زاد عدم اليقين بشأن المستقبل من محنة المُهجّرين، ومن الشعور بفقدان السيطرة على مجرى حياتهم، وتركهم في حالة انتظار مرهق. لفترة طويلة لم يعرف المهجرّون كيف يجيبون على أسئلة اساسية مثل أين سيعيشون؟ إلى متى؟ كيف سيهتمون باحتياجاتهم المعيشية وهل ومتى سيعودون إلى قراهم؟ الحاجة إلى اليقين، والتمرد الداخلي ضد فعل السلب تجلوا بالإيمان بأن كل ما يحدث في الحاضر هو مؤقت وقابل للاسترجاع، وأن خروج المُهجّرين من قراهم سيكون لفترة وجيزة فقط، ومع زوال الخطر سيكون من الممكن العودة إلى القرى والمنازل ولكل ما تركوه خلفهم: "جمعة مشمشية وبنرجع".

"- لماذا تركت الحصان وحيداً؟

- لكي يؤنس البيت، يا ولدي،

  فالبيوت تموت اذا غاب سكانها..." 

(درويش، 1995أ)

 اقتلاع آخر للمهجرين من حيز المكان لوجودهم ومن سيرورة حياتهم، تم بشكل عنيف بهدم منازلهم الخاصة. يكتب درويش (2007-2006) "بدقيقة واحدة، تنتهي حياةُ بيتٍ كاملة" ويصرخ ويحزن على أعمال القتل والكسر والطحن والتمزيق لأغراض البيت المليئة بالحياة وذكريات أصحاب المنزل ويقول: "كل هذه الأشياء ذاكرةُ الناس التي أُفْرِغَتْ من الأشياء ، وذاكرة الأشياء التي أُفْرِغَتْ من الناس... تنتهي بدقيقة واحدة. أشياؤنا تموت مثلنا.  لكنها لا تُدْفَنْ معنا !" (ص، 36).

يُشكل البيت فسحة تساعد الذات على التطور. يعكس البيت هوية الفرد وانتمائه للمكان والأسرة والقرية. يحتوي البيت على نمط الحياة الذي عاشه، وعلى تاريخه وذكرياته بالإضافة إلى مخططاته وأحلامه وتطلعاته للمستقبل. بوجودنا في البيت "نشعر بالبيت" وهكذا نشعر بذواتنا. في بعض الحالات، المهجرون الذين لم يكونوا بعيدين عن قراهم الأصلية، شاهدوا بأعينهم كيف قصفت منازلهم ودمرت، وكيف تعرضت ممتلكاتهم وذكرياتهم وانتمائهم لهم للهجوم والسحق.

"كنت واقف جنب البلد، قريب من البلد بشقفة الأرض هناك، كنت واقف هناك، لما بلشوا يفجروا البلد، لما إجت الطيارات وبلشت ت .. ت .. تقصف، وفي اليوم الثاني نسفوها بالألغام. اللي ما انهد بالطيارات فجروه من تحت. حطوا في الأرض المتفجرات في البيوت. في هون (يتنهد) تل هون في أراضي ----- اللي بتطل على البلد، سموها مبكى ال -----، وقفت الناس هناك وصاروا يشوفوا كيف بتنزل الطيارات القذايف، القنابل على... البلد، على البيوت. ينفجر هون، يطلع الدخان يقولوا هذا بيتنا هناك، هاي تقول هذا بيتنا، وهذا بيتنا اللي اتفجر اسا. كان هالقد.. كانت ساعة أو أيام سودا اللي مريناها، يعني معاناة، مرارة، بكى، حزن، وجع "(غسان).

   مقاومةً لقتل المنازل بوحشية، يحتفظ المهجرون واللاجئون الفلسطينيون بمفاتيح منازلهم حتى يومنا هذا. أصبحت هذه المفاتيح الحديدية الكبيرة رمزًا  "مفتاح العودة"، موضوع انتقالي (ووينيكوت، 2004) الذي يرسخ ملكيتهم للبيت والمكان الذين تمت مصادرتهم وتدميرهم. تربط المفاتيح المهجرين بواقع الماضي الحقيقي الذي قُطع، وتربط بين التمثيل الذهني للبيت والقرية وعدم وجودهم فيهم. يتم الحفاظ على هذا الترميز الداخلي للمكان والبيت والقرية على هيئة "خرائط ذهنية" يختبر فيها المهجرون ذاتهم كأنهم استمروا بالتواجد والتفاعل في حيز الواقع ذاك ((Davis, 2007. تظهر هذه الفجوة بين الحقيقي والرمزي بحدة، عبر المسافة القصيرة التي تفصل أحيانًا بين مسكن المهجرين الحالي وقراهم الأصلية، مما يجعل الرجاء للاتحاد والالتئام قريب وغير مُنال في ذات الوقت. 

"بلدنا قدام عيني وبسترجيش اروح عليها. إذا بدك تروحي هيك زيارة بسألوكي شو؟؟ إذا بتقولي هاي بلدنا، بقولوك لا هاي بلدنا، البلد هاي النا. بسمحولكش تفوتي. مثلا بدك تروحي تبقلي، بكبوهم، بكبوهم وبكرتونا اليهود، لما يشوفونا بكرتونا"(سلوى)

"صفاء: شو شعورك لما بتروحي تزوري -----؟

زهرة: آآه قلبي بفتح، كل أجدودنا ماتوا هناك وقبورنا هناك و وفلحنا الأرض وعملنا ورزقنا هناك، بقول قلبي بفتح لما بشوف البلد "(زهرة)

حدة الانكسار تجمد الوقت. توقفت حياة المهجرين الداخلية في تلك اللحظة من الزمن، لحظة التهجير والفقدان. حياتهم وأحلامهم التي بترت، تستمر في التواجد داخلهم كحقيقة بديلة يفتقدونها ويتوقون إليها. هم يحلمون بالماضي الذي كان والمستقبل الذي سيكون، وهكذا يحافظون على فسحة ذاتية داخلية فيها التئام، تماسك، اعتراف وطمأنينة.

"كنا نجيب شوية تراب هيك وشوية حجارة ونبني بيت، لما كنا نروح مع اهالينا ع الأرض، كنا نقعد ونلعب هناك بكومة التراب فوق التراب واهالينا يحرثوا او يحصدوا. أنا بعدني بشعر حالي وكأني طفل، بعدني بشعر حالي هذاك الولد اللي كان يلعب هناك بهذاك الوقت، بعدني بشعر هيك "(غسان)

"إذا قالولي ارجع ع ----! برجع وبقعد بخيمة وبترك هذا البيت والعالم، بترك كل شي وبروح وبنصب خيمة هناك، وبسكن فيها وبعيش هالكم سنة اللي بقيولي في----. بشعر أني إذا مت بموت بكرامتي وكياني ببلدي "(كمال)

   صدمات الحرب، الفقدان المتراكم، النضال المستمر من أجل البقاء إلى جانب استمرار سياسة القمع والتمييز وانعدام حلول عادلة، تُبقي النكبة جرحًا مفتوحًا مؤلمًا. بالنسبة لمن عاشوها وللمهجرين الداخليين، إن كلمة "النكبة" لا تعبر فقط عن معناها التاريخي والسياسي، وانما تعبر عن المعنى الذاتي لما فُرض عليهم، النكبة هي نكبة البيت الخاص الذي تم تدميره، هي نكبة الأرض وحقول الزيتون التي تمت مصادرتها، هي نكبة المجتمع المحلي الذي تفكك وتفرق، هي نكبة الشرخ في استمرارية الحياة المتوقع وجودها بين الماضي والحاضر والمستقبل، هي نكبة النضالات التي خاضوها على مر السنين لاستعادة حياتهم وإعادة بنائها، ونكبة الألم الكبير المحفوظ بداخلهم. بعدها، تشرذم التاريخ الشخصي وكيان الفرد والشعب، وانشطروا بين ما قبل وما بعد، بين الخارجي والداخلي وبين الحقيقي والرمزي.

"أكبر نكبة بحياتي (تبكي وتتكلم بصوت مخنوق) أكبر نكبة بحياتي، وكل ما طالت بتصير أصعب وأوجع في قلوبنا" (عفيفة)

"النكبة بتقولي أنه الناس تدمروا، النكبة لأنه الناس راحوا وانقتلوا وتشتتوا في كل محل، هاي مش نكبة! اللي بنقطعوا عن أهلهم وبيوتهم ونفسهم، هاي مش نكبة! ولا شو  فكرك انا بنسى هذيك الأيام؟ لا  والله ما بنسى لليوم [...] (بصوت مخنوق) أنا بقعد وببكي لحالي جواتي، بقعد وببكي وين اخوتي وين عيلتي[3]؟ وين اولاد اخوتي؟ وين خواتي؟ وين ولادهم؟ فش لحالي! ماتوا أخواتي وما شفتهن، ماتوا إخوتي وما شفتهم"(سلوى)

صورة من 2022: في كل عام في ذكرى النكبة، تنظم جمعية الدفاع عن حقوق المهجرين في إسرائيل مسيرة العودة إلى إحدى القرى المهجرة. جرت المسيرة هذا العام في قرية ميعار في الجليل. مشينا الآلاف منا بين حقول الزيتون، وعندما وصلنا إلى منطقة المنصة المركزية، لفت انتباهي (صفاء) رجل عجوز كان يقف تحت شجرة زيتون يستقبل الناس "أهلًا وسهلًا، تفضلوا!". في بساطته وعفويته، كان سلوكه يرمز إلى كونه في بيته، وكونه ذاتًا تمتلك البيت والمكان، يستضيف الاخرين الذين يأتون لزيارته، برغبته الحرة.  

تنمية الهوية المهنية - بين الفردي والجمعي

   الخطاب العلاجي في عصرنا يرى بالتمعن في التجارب الداخلية للمعالِج وإدراكه لذاته عناصر مهمة بل وضرورية لفهم السيرورة العلاجية، التي تتبلور بالتأثير المتبادل مع المتعالَج، شريكه في المسار (آرون، 2013؛ بنجامين، 2004). بالنسبة لنا، فإن الإلمام بذواتنا يشمل، ليس حصرًا، الاصغاء إلى هويتنا الوطنية كفلسطينيات بالتوازي مع هويتنا المهنية كأخصائيات في علم النفس الإكلينيكي، اللواتي تعلمن وتخصصن ايضًا بجهاز التعليم والمسارات الاكاديمية الإسرائيلية. سنحاول في الأجزاء أدناه إلقاء الضوء على هذا الموضوع، من خلال عرض لصور مختلفة من تجاربنا الشخصية خلال مسار تطورنا المهني. كما هو متوقع، نقاش متعمق بجميع الجوانب المركبة والعلاقات المعقدة لهذا الموضوع، هو خارج نطاق المقالة الحالية. وبالتالي، لغرض المناقشة، لن نتطرق إلى عناصر أخرى في هويتنا (الجندر، الأمومة والمرحلة المهنية وما إلى ذلك) أو إلى مختلف التطورات والخبرات في البيئة الأسرية-الاجتماعية-الثقافية التي نشأنا فيها، والتي تتشابك في نسيج شامل من التأثيرات والتفاعلات المتبادلة داخل كياننا الذاتي. كما أننا لا نشير إلى السياق التاريخي-الثقافي لتطور نظرية التحليل النفسي كنظرية غربية وآثارها على فهم الذات الفلسطينية، ولا إلى فهم الديناميكيات الداخلية لدى الآخر المحتل (Even-Tzur, 2016; Halperin et al., 2010; Kemp, 2011) أو لتجاربه اثناء لقاءه مع الفلسطيني وديناميكيات العلاقة بين الطرفين في علاقات الاشراف والعلاج (بوكسباوم، 2018 ؛ Srour, 2015).

تطرح ناصر (2019) في مقالها عن الفلسطيني والعلاج النفسي الإسرائيلي تساؤلات حول قدرة المعالج والمحلل الفلسطيني على التحرر من التفكير الإسرائيلي الصهيوني الذي تعرض له خلال سنوات الدراسة والتدريب، وتدعو إلى اعتماد خطاب ونهج علاجي واعٍ سياسيًا، وحذر من التعاون مع ممارسات الظلم والقمع (Sheehi & Sheehi, 2020). وكما ذكرنا فإن هذا الوعي يبدأ بالاستماع والتعرف على قصتنا للنكبة.

"Meanwhile the gunfire was continuing, clearly intended to get people moving. We saw families holding their children and lugging big bags, some supporting old parents. Sobbing loudly, they passed in front of the Nakhle houses. Joining the main road leading up the steep slope of the mountain on which their village was built, they were setting off on a “trail of tears” towards the Lebanese border. The most heart rending sight was the cats and dogs, barking and carrying on, trying to follow their masters. I heard a man shout to his dog: “Go back! At least you can stay!”"  (Srouji, 2004, p. 77)

تقع بيوت أجدادي (صفاء) مقابل بيوت عائلة نخلة. نشأ والداي هناك ومن هناك تم طردهم كأطفال مع والديهم وباقي سكان القرية خلال النكبة. طوال فترة طفولتي، كانت قصة التهجير من القرية حاضرة في خلفية الحديث في البيت ولدرجة ما عرفت القصة العامة لما جرى في القرية أثناء الحرب. مع بلوغي، وبعد أن طلبت ذلك بنفسي، سمعت من والديّ قصتهما الشخصية وما مروا به، في محادثة كانت مؤثرة للغاية بالنسبة لهم ولي. سمعت عن الخوف من الموت عند وصول الجيش وجمعه للأهالي وسط القرية، عن التعب والعطش والجوع أثناء السير بالطريق، وعن النظرات اليائسة والقلقة التي رأوها في أوجه أهاليهم وعن البيوت الخالية التي عادوا إليها بعد أن نُهبت ممتلكاتهم. رافقت هذه المحادثة العديد من القصص الأخرى حول تعامل سكان القرية مع ظلم الحكم العسكري، من بينها قصة "طوشة الزيت" من عام 1952 والتي وقف خلالها أبناء القرية بشجاعة ضد مصادرة محاصيلهم من زيت الزيتون (حسين وحسين، 2020).

نشأتُ (منى) في عائلة أصلانية بقت خلال النكبة في القرية الأصلية، والتي استقبلت المهجرين من القرى المجاورة التي دُمرت. على مر السنين، ساد جو من التوتر وانعدام التماسك بين السكان المحليين والمهجرين، ومع مرور الوقت فهمت كيف تكررت النظرة الدونية وقمع المحتل وذراعه الحكم العسكري، في تفاعلات داخل المجتمع، والتي الحقت على مر الزمن الضرر بنسيج العلاقات بين سكان القرية. شاركت في شبابي بمشروع تبادل طلابي في الخارج كشفني بقوة على تساؤلات حول الهوية، حول من أنا مقابل الآخر. شيئًا فشيئًا، بدأت عملية استكشاف وارتباط بهويتي الوطنية، والتي تعلمت خلالها أيضًا أن عائلة جدتي قد هُجرت من منطقة حيفا وأن أقارب والدتي هم لاجئون في لبنان وسوريا، وقد انقطع التواصل معهم منذ النكبة. كما ويتجلى الصوت الواضح الذي نما بداخلي من خلال نشاطي السياسي انا وشريك حياتي، والذي غالبًا ما يعرضنا للعنف والقمع من قِبل المؤسسة، بما في ذلك الملاحقة، التحقيقات والتهديد في محاولة لإسكاتنا ودوس هويتنا.

داخل الأُسَر والبيوت والمجتمعات المحلية، كان يتم سرد تاريخ شعبنا وتوارثه شفويًّا، وبمسارها الذاتي كل واحدة منا تعرفت، نمّت وغذّت هويتها الفلسطينية. هذه التجارب وقفت لسنوات عديدة، ولا زالت تقف، بوجه الإنكار والسلب والتهديد الذي تعرضنا ونتعرض له في البلاد. هكذا بالمراحل الابتدائية علّمونا أغنية "بعيد استقلال بلادي غرد الطير الشادي". في امتحانات الثانوية العامة أمتُحِنّا بتاريخ الشعب اليهودي، الذي علمنا عن خرافات مثل "أرض بلا شعب لشعب بلا أرض"، "أرض كانت مقفرة وازدهرت" و"العرب الذين هربوا بأنفسهم" وغيرها من المعتقدات التي تنفي وجود عائلاتنا ووجودنا كبشر. يمكننا أن نفكر في العديد من الأمثلة على هذه الديناميكية من مجالات أخرى كاللغة والأدب والشعر حيث درسنا عن بياليك وراحيل، بينما غاب محمود درويش وغسان كنفاني.

مع مغادرتنا للدراسة الجامعية، تم تحذيرنا في البيت من النشاط السياسي، خشية أن يضر ذلك بمسارنا  الاكاديمي وبتطورنا المهني. هذه التحذيرات، التي انبثقت من قلق والديّ حقيقي في واقعٍ مهدِد من العنصرية والتمييز، تعكس لنا أيضًا تأثير قوى القهر والطمس من جانب الآخر المحتل، التي سيطرت على حياة أهالينا منذ النكبة ومرورًا بسنوات الحكم العسكري. يبدو أن أصوات الذات الفلسطينية هذه التي تم إسكاتها وسَكتت احيانًا لتحيا، تُسقط على وتُسمع مجددًا عبر بناتهم وابناءهم الذين ربوهم كأفراد "الجيل الشامخ" (أبو بكر وربينوفيتش، 2004) الذين يعيدون استحضار وترسيخ الهوية الفلسطينية. إن اللقاء مع الواقع الإسرائيلي، عرضنا بالطبع لأحداث لا حصر لها من العنصرية والتمييز والاضطهاد، وكل منها تتراكم مع مجمل التجارب التي تشكل هويتنا، بمكوناتها المختلفة. نذكر هنا مشاهد قصيرة لرسم الفكرة: "مطلوب خبرة عسكرية كشرط للحصول على منحة دراسية أو سكن جامعي أو حتى لوظيفة بائعة في متجر ملابس" ؛ "اذهبي إلى غزة!" ؛ "قولي شكراً! هل تعتقدين ان الحياة في الدول العربية أفضل؟" ؛ "ما هذه اللهجة؟ حقًا لا تبدين عربية". "أيها السائق! لماذا تدخل الحافلة هذه القرى البدائية". لهذه أضيف (صفاء) أيضًا المخاوف الكبيرة التي رافقتني والحذر في الصياغة أثناء كتابة أطروحة الدكتوراه الخاصة بي خشية الا تتم الموافقة عليها، خاصة على خلفية قضية إلغاء أطروحة تيدي كاتس حول مذبحة الطنطورة خلال النكبة، من قِبل جامعة حيفا حيث درست[4]. إن هذه الأمثلة من تجاربنا الشخصية هي بالطبع انعكاس لتعامل دولة إسرائيل تجاه السكان الأصليين الفلسطينيين في واقعِ استعمارٍ استيطاني (صباغ خوري، 2018) الذي يتجلى في العنصرية والتمييز والقمع المؤسساتي تجاه الفرد والمجموعة، ويتضح أيضًا في القانون الأساسي للقومية وقانون النكبة والقانون الذي يحظر رفع العلم الفلسطيني وغيرها.

مسار تعليمنا الاكاديمي وتدريبنا المهني كأخصائيات علم نفس سريري ذوات التوجه الديناميكي يعلمنا أن نتمعن بأنفسنا، أن نصغي إلى ديناميكيتنا الداخلية، وأن نستثمر الوقت والموارد من أجل فهم تجاربنا الأولية والمشاعر المكبوتة بداخلنا واسقاطاتها على ممارساتنا المهنية. نتعمق في الدراسات ونحاول فهم مختلف نظريات التحليل النفسي، وفي العلاجات وأطر الإشراف نحن مطالبات باستبطان واستكشاف عميق لنفسيتنا وللديناميكيات الواعية واللاواعية للعلاقات في الغرفة. يقف الاستثمار الهائل في تطوير وتنمية هذه العناصر من الوعي والنضوج في الهوية المهنية في تناقض صارخ مع التجاهل المجحف (باستثناء حالات نادرة) لمجمل التفاعلات والتماهيات والصراعات الداخلية والعلائقية المتعلقة بالواقع الاجتماعي-السياسي لحياتنا (Sheehi & Sheehi, 2020). بالتالي، وفي عملية موازية، يكرر نظام التعليم الاكاديمي والتدريب المهني الإسرائيلي نظرة الآخر المحتل في رؤيته التفكيكية لهذين المحورين المتوازيين في هويتنا، حيث إنه يعزز ويغذي المنظور النفسي التحليلي بينما يُغيب ويهمل ذواتنا الفلسطينية التي تبقى "حاضرة غائبة". من الواضح لنا أنه من غير الممكن أن نتعرف على أنفسنا وأن يتم التعرف على ذواتنا كمعالجات (أرون، 2013) من موقف الشطر هذا، وأن التواجد العلاجي الحقيقي والمتماسك والناضج يتطلب الاستمرارية والتكامل والاصغاء إلى المكونات المختلفة في هويتنا، طوال مسار التعليم والتدريب وفي العمل السريري في الميدان.

يتطلب هذا الخطاب بالطبع النظر الى اللغة والى ما تمثله، الى عوامل الربط والفصل والاصطدام بين اللغة الأم واللغة العلاجية ولغة التدريب المهني ولغة المحتل.

"يا لغتي! هل أكون

أنا ما تكونين؟ أم أنت – يا لغتي –

ما أكون؟" (درويش، 2005)

العربية لغتنا، هي لغتنا الأم، وتعاني مثلها مثل الذات الفلسطينية من الاضطهاد والتبخيس، ومن التهديد الدائم بالمحو والاقتلاع من الحيز والمكان. بالمقابل، لا يمكن فصل موقفنا من اللغة العبرية عن هويتنا الفلسطينية، وعن حقيقة كونها أيضًا لغة الآخر المحتل. بين هذين الطرفين نتفاعل ونتصارع في رحلة اكتساب وتطوير لغتنا العلاجية. إن الحفاظ على فعل الحرية الداخلي (Symington, 1983) يتمكن من موقف واعٍ ويقظ بأننا ومُعالَجينا، كذوات فلسطينية، لا "نضيع في الترجمة"، وأن لغة التدريب المهني لا تتطور إلى ما تسميه أمير (2020) باللغة الطفيلية التي تضع نفسها "كمجال المعرفة الحصري للذات [...] وكل معرفة الذات الاخرى للعالم ولنفسه تصبح محظورة او محجوزة. اللغة الوحيدة التي يمكن أن تتطور في ظل هذا الظروف الاولية هي لغة تحاكي لغة الموضوع بطريقة تقضي على أي نوع من الاختلاف أو الانفصال "(ص 210).

على غرار العديد من زميلاتنا وزملائنا الفلسطينيين في المهنة، فإن هذه الحاجة إلى التواصل والدمج بين مركبات الهوية المختلفة، وبين اللغة الأم واللغة العلاجية تقودنا إلى البحث عن وخلق مساحات مشتركة للتفكير والتعلم والتطور المهني. يمكننا أن نتشارك معًا في اللقاءات ومجموعات الاشراف، في المؤتمرات والندوات، ونتحدث عن، نفكر ونصغي للعلاجات، وبالتالي نختبر أنفسنا كمعالجات ومعالجين فلسطينيين عرب. خلال المناقشات والمحادثات نكتشف مرارًا وتكرارًا ثراء اللغة العربية والنطاق الواسع من التفاصيل الدقيقة للخطاب العاطفي والمفاهيم النفسية التي تتيحها. معًا نختبر التماسك "السهل الممتنع" والتواصل الطبيعي بين أجزاء النفس وعناصر هويتنا.

 النكبة والتهجير في غرفة العلاج ، عودة التي وُلدَت إلى اللجوء

"يولد الان طفلٌ،

وصرخته،

في شقوق المكان"

(درويش، 1995)

ندخل في هذا الجزء من المقالة غرفة العلاج، ونتمعن بوجود النكبة في السيرورة العلاجية، وفي التلامس بين الشخصي والجماعي والسياسي، من خلال تجارب مُعالَجة فلسطينية كانت بعلاجٍ عند منى. إن العرض هو جزئي بطبيعته، مع التركيز المتعمد والانتقائي على الأجزاء التي توضح السياق الوطني-السياسي للتجربة النفسية الداخلية، ولا يعبر عن فهمنا لمجمل العناصر النفسية الداخلية والعلائقية التي مُيزت خلال العلاج، او مختلف الديناميكيات التي تطورت.

"عَوْدَة[5]" هو الاسم الذي اخترنا منحه للمُعالَجَة، ليعكس شيئًا من معنى اسمها الأصلي الذي يجسد عناصر مماثلة لتجربة النكبة والتهجير والنضال الفلسطيني من أجل الوجود. يوضح الاسم الذي أطلقه عليها والداها الحاجة إلى استمرارية التجربة، والرغبة في التغلب على شرخ التهجير والنجاة منه.

عودة، في أواخر الستينيات من عمرها عندما توجهت لطلب العلاج، وهي الأكبر في أسرة متعددة الأطفال. درست لنيل لقبٍ جامعي وعملت في مؤسسة حكومية لمدة 20 عامًا حتى تقاعدها المبكر. عند توجهها للعلاج، شكت من الاكتئاب والقلق وعدم التفاعل بشكلٍ عام. تم العلاج في عيادة عامة، واستمر حوالي عامين بوتيرة لقاءٍ أسبوعي.

ولدت عودة في النكبة، في نفس اليوم الذي تعرضت فيه قرية والديها للهجوم والتدمير. حَمَّل والداها مع أسرتهما الكبيرة أغراضهم بنية الفرار من القتال، لكن كلا الوالدين اضطروا إلى البقاء بسبب الولادة التي بدأت في الشاحنة أثناء الهجيج، أثناء هروبهم من القرية. هكذا انفصلت الأسرة وبقي والديها وحدهما كلاجئين محليين مُعدمين، وبإحساس تهديدٍ واقتلاع من المكان والزمان، بعيدًا عن عائلاتهما اللتان هجروا إلى لبنان وسوريا.

  قبل أن ألتقي عودة، من قراءة ظروف ولادتها، شعرت أنها تكشفني على عوالم مألوفة وغريبة. هذا الإحساس سيرافقنا طوال فترة العلاج وسيمر في الجدلية بين الجماعي والشخصي، والتي صبغت كيانها ووجودها، ومن خلالها عبرت عن رغباتها وأمنياتها وآلامها. أسئلة كثيرة أثيرت بداخلي طوال فترة العلاج: إلى أي مدى كان وجودها في العالم مصبوغًا بالتصادم الأولي بين تجربة الموت للتهجير والطرد وتجربة الحياة لولادتها؟ كم من المواد الصادمة الخارجية أسقطت لداخلها وأصبحت لها؟ من هي من كل هذا، وماذا تحول ليكون لها؟ وماذا ملك والديها؟ ملك الشعب؟ وماذا تبلور في العلاقة العلاجية بيننا؟ وجدت نفسي أكثر من مرة أحاول حل نزاع داخلي حول إعطاء تحليل نفساني داخلي للنضالات الوطنية التي ادارتها في الخارج. هل أقوم بنظرتي باللغة التحليلية الغربية، بوصم واختزال وتجريد شرعية صرخة العدالة ضد الظلم والقمع؟ كيف يمكن أن أحافظ على الاصغاء والاعتراف بالمعنى الجماعي للنضال جنبًا إلى جنب مع المعنى المعرَّف وفق ديناميكيات نفسها الداخلية؟

تباعًا للمشاعر القوية التي استيقظت في داخلي، أخترت أن أعرض العلاج مع عودة بمجموعة الاشراف للمتخصصين، تحت اشراف المرشد العربي الفلسطيني في المحطة، وهو أمر شعرت بأنه يحميني ويحميها في بيئة آمنة وداعمة. في نفس الوقت داخل المجموعة ألتقيت مع الآخر اليهودي، وخلال سيرورة موازية من الشفاء المتبادل (آرون، 2013)، الحوار حول الحالة خلال جلسات الاشراف اتاح لي تثبيت هويتي المهنية-الوطنية بشكل تدريجي كمُعالِجَة فلسطينية في المحطة اليهودية.

تصف عودة طفولة من الفقر والعيش في ظل الصدمة والفقدان الذين مروا بها والداها. ولادتها خلال تجربة اللجوء والشرخ الصادم في حياتهما، صعَّبت عليهما الاستجابة لاحتياجاتها والحفاظ على التتابع والاستمرارية في وجودهما واحتضان وجودها. مع تأثير ديناميكية التحويل اللاواعي عبر الأجيال، اتخذت علاقات الموضوع المذوتة هيئة التهجير والطرد الأوليين وخلقت حلقات متكررة من محاولات الإنقاذ والإصلاح (Gampel, 2005). في ظل الاسكات وانعدام القدرة على التعبير عن الألم والغضب أو المطالبة بالعدالة تجاه المحتل الذي تسبب في الشرخ، تم إسقاط هؤلاء عليها. وفي عملية استدخال متماهي، ترسخ داخلها احساس المسؤولية والشعور بالذنب تجاه المصير الصادم لعائلتها وابعاد والديها عن أسرهم - "أكثر من مرة عندما كانت أمي تغضب مني، كانت تبكي وتقول لي بسببك بقيت هنا! ". وهكذا امتصت عودة رعب وصدمة النكبة، كمكونات بيتا غير مهضومة، دون القدرة على احتوائها (بيون، 1959). الانكسارات الكارثية التي حدثت في طفولتها سُجلت على اسمها بلا رحمة، وسُجلت الكارثة وكأنها هي التي تسببت بها (كوجان، 2019).

تحكي عودة عن نفسها من خلال انتمائها السياسي بينما تُعبر عن موقفٍ ناقدٍ لما يحدث في الخارج. تصف، خلال اللقاءات، حياة مليئة بالصراعات والعقبات التي واجهتها من سن مبكرة إلى حياتها البالغة. أشعر كمعالِجتها بالتفاعل والتماهي والتواصل مع تجربتها، على خلفية التشابه الأيديولوجي والوطني بيننا. قصصها عن كفاحها ونضالها لإسماع صوتها في الخارج، جمعتني بداخلي بقصصي المتشابهة. عودة بدورها حاولت اختبار آرائي والتشابه بيننا، وعندما عكست لها ذلك في أحد اللقاءات، أجابت: "من المهم لي أن أعرف أنك تفهمينني، وأننا متشابهات، أريد أن أشعر بالراحة". فكرت في حاجتها للحفاظ على الحرية للنمو من داخلها، والحرية لتسرد قصتها بكلماتها الخاصة (Landy, 2013) وليس كردٍ علي، وفقًا للذاتي الحقيقي وليس الخارجي الزائف. في حينه، ومع بداية مسيرتي المهنية، وعلى الرغم من الفضول والاهتمام اللذين شعرت بهما، أثارت هذه المحتويات التوتر والقلق بداخلي حول "فقدان البعد المهني والانجراف إلى خطاب سياسي غير علاجي". اليوم، وبنظرة استرجاعية، أفهم كيف بمساعدة هذا الحوار خلال العلاج، عرفتني عودة على قصتها وعلى ذاتها وعلى عناصر هويتها. وافهم كيفية احتواء هذه المواضيع والاعتراف بها في العلاج مكنت دلالة وشرعية لتجربتها (أمير، 2010) وادت الى إنشاء حيز علاجي تشعر فيه أنني أعرف من هي حقًا (أوجدين، 2011).

تروي عودة تجربة الحياة كضربة تلو الأخرى، التي أدت في السنوات الأخيرة إلى تدهور في حالتها النفسية، إلى تقوقعها داخليًا، وكذلك إلى ابتعادها عن بيئتها السياسية. أفهم كم استمدت في الماضي القوة والمعنى من النضالات التي خاضتها في الخارج، مما سمح لها بتشكيل تجربة تتابع وتماسك، التمرد ضد الاقتلاع والبتر، وفي نفس الوقت التعامل الفعال  مع تجربة التهجير والألم والفقدان. في أحد اللقاءات شاركتني بمحاولات الإسكات التي تعرضت لها من قبل مُشغليها وكيف تخلت عن التقدم المهني ولاءً لصوتها الوطني "هم لا يفهمون أنه بدون صوتي وهويتي الوطنية، لا وجود لي". أدرك أنه من خلال النشاط السياسي، تستعيد عودة الحق في الوجود لذاتها، وتلحم شرخ التهجير، وتنمي الاستمرارية وتجسد الأمنية للإصلاح والإنقاذ في واقع حياتها. تشاركني عودة الشعر الذي تكتبه كتعبير عن صوتها الذاتي الحقيقي، والذي يسمح لها بإنشاء تواصل في كيانها وإعطاء دلالة ومعنى لـ "الرعب عديم الاسم" (بيون، 1962،  ص. 115). تصف بكتاباتها واقعًا بديلاً تعود فيه إلى القرية التي ولدت فيها وتغير مصير سكانها. هكذا تتنقل بين مشاعر العجز والقمع إلى الشعور بالجدارة والقوة والتمرد والقدرة على التأثير على واقع حياتها.

بعد مرور حوالي عام على العلاج، تأتي ضربة من الخارج ويتم رفض طلب تمديد العلاج. الواقع الخارجي يخترق الحيز بيننا. للحظات أعَرَّف مع العيادة اليهودية التي كررت تجربة الطرد والإذلال، خلالها تكون مرة أخرى لاجئة وجودها مهدد، وغضبها موجه تجاهي. للحظات أخرى تشعر بالتشابه والتماهي بيننا، الذين تجندهم للوقوف بوجه والنضال ضد نماذج  الآخر المحتل في الخارج. في داخلي أشعر بعدم العدل والظلم الذين لحقوا بها، أخشى أن "تُطرد وتهجر" من العلاج، واشعر بالحاجة إلى حمايتها وتأمين مكانها.    

مع تقدم العلاج بدأت عودة تشعر بوجودي بثبات وتتابع. بدأ العلاج يتسم بالجدلية بين النقص والفقدان والحيوية. سمحت المساحة التي تم إنشاؤها في العلاقة، بالحوار بين المستوى الشخصي والجماعي لكيانها. تمعنا معًا بصدمات الماضي، باستدخالاتها وعرّفنا تجاربها، وبالتالي تمكن "التحول من ذاكرة صادمة إلى ذاكرة سردية، أي من الشطر إلى القدرة على سرد قصة" (أمير، 2010 ، ص. 49). هكذا تشكل تدريجيًا احساس التماسك الداخلي، وتمكنت نظرة أكثر تقدم وتواصل مع الذات والآخر، وشعور أكثر نضوجاً بالذنب الذي سمح بمزيد من الاستيضاح والتمييز بين ما كان لها وما تم إسقاطه عليها (أوجدين، 1989). بالتوازي عاد الإحساس بالحيوية لحياتها في الخارج. عادت عودة لتمارس نشاطها السياسي ولتعبر عن صوتها الوطني وعن مطالبها بالعدالة بطريقة تكاملية راسخة.

بالنظر إلى الوراء، أدرك مدى أهمية العلاج مع عودة في تشكيل هويتي المهنية، وكم تمكن لها ولي خلاله "العودة إلى ذواتنا" من خلال الاستيعاب والاعتراف المتبادل (بنجامين ، 2013) بأجزاء متنوعة من هويتنا وقصتنا.

كلمة ختامية

يشير أوجدين (2011)، في نظرته على فن التحليل النفسي، إلى المهمة المشتركة للمحلل والمُعالَج في خلق "ظروف تسمح للمعالَج (بمشاركة المحلل) أن يكون أكثر قدرة على أن يحلم أحلامه التي لم تُحلم واحلامه التي قُطِعَت [...] من أجل أن يحلم بتجربته الخاصة؛ وبالتالي أن يحلم بنفسه بشكل متكامل اكثر إلى الوجود" (أوجدين، ص 236). طوال تسلسل المقالة، بين تجربة المهجرين في البحث، ومن خلال تجاربنا كمعالِجات، وصولاً بالعلاج مع عودة الذي عرضناه، حاولنا توضيح كيفية خلق مثل هذا المساحة للذات الفلسطينية في العلاج، يتطلب الدمج والاعتراف بمجمل مكونات هويتها بما في ذلك قصتها عن النكبة. إن هذه المعرفة ضرورية أيضًا للأجيال الشابة، التي تولد وتكبر في واقع النكبة المستمر وتتأثر في الوقت نفسه بديناميكيات التحويل عبر الأجيال واستدخالات تجارب آبائها وأجدادها (أبو الهيجا، 2018). هذا هو الحال أيضًا بالنسبة لنا كمعالِجات في مجالات الدراسة والتدريب والاشراف والتطور المهني. تساعد هذه المعرفة بالذات الفلسطينية في مختلف مساحات الوجود، على ترسيخ تجربة التناغم والحرية الداخلية لتحلم أحلامها التي قُطعت، ولتطالب بحقها في العدالة والتحرير والتمرد ضد أعمال القمع، من أجل وجود متكامل وشامل بالنسبة لها.

يا أمنا انتظري أمام الباب. إنّا عائدون
هذا زمانٌ لا كما يتخيلون..
بمشيئة الملاح تجري الريح...
والتيار يغلبه السفين!
ماذا طبخت لنا ؟ فإنا عائدون
نهبوا خوابي الزيت يا أمي، وأكياس الطحين
هاتي بقول الحقل! هاتي العشب !
إنا عائدون!

(درويش،م. 1966)

 

نود أن نشكر مدرسة السلام بواحة السلام على الهبة المادية والتي بفضلها تُرجم هذا المقال من اللغة العبرية إلى العربية.

 

مصادر بالعربية

أبو بكر، خ. و ربينوفيتش، د. (2004) جيل منتصب القامة. مؤسسة مدار، رام الله

حسين، أ وحسين، ن. (2020). الرامة- رواية لم ترو بعد 1870-1970.طباق للنشر والتوزيع.

درويش، م.(1966).في انتظار العائدين. من ديوان عاشق من فلسطين.  

درويش، م.(1995أ). أبدُ الصبار. من ديوان لماذا تركت الحصان وحيداً.  

درويش، م.(1995ب).في يدي غيمة. من ديوان لماذا تركت الحصان وحيداً.  

درويش، م.(2005). نهار الثلاثاء والجو صافٍ. من ديوان كزهر اللوز أو أبعد.  

درويش، م. (2006-2007). البيت قتيلا. ديوان اثر الفراشة.

ناصر، ت. (2019). الفلسطيني والعلاج النفسي الإسرائيلي. متراس

واكيم، و.(2001). لاجئون في وطنهم: "الحاضرون الغائبون في إسرائيل. مجلة الدراسات الفلسطينية, 45/46  91-104.

مصادر بالعبرية מקורות בעברית 

אבו חק. מ. (2020). הנכבה כטראומה עיקשת מתמשכת. בטיפולנט. [أبو حق، م. (2020). النكبة كصدمة عنيدة متواصلة]

אוגדן, ת. (1989). מבנה החוויה. בתוך: הקצה הפרימיטיבי של החוויה. תרגום: ברגשטיין, א. ואהרוני, ח. (2001) עם עובד, תל אביב. [اوجدن، ث. (1989). مبنى التجربة].

אוגדן, ת. (2011). אומנות זו של הפסיכואנליזה: לחלום חלומות שלא נחלמו וזעקות שנקטעו. בתוך על אי היכולת לחלום. בהוצאת עם עובד. [اوجدن، ث. (2011).فن التحليل النفسي: لنحلم أحلام لم تحلم وصرخات قطعت].

אוסצקי-לזר, ש. (2002). הממשל הצבאי כמנגנון שליטה באזרחים הערבים: העשור הראשון, -1948 .103-131 ,43 , המזרח החדש. [اوستسكي-لزار، ش. (2002). الحكم العسكري كألية سيطرة بالمواطنين العرب].

 אמיר, ד. (2010). קרואים ללא מארח, נוכחים ללא שם על היעדר 'פונקציית העד' בנפש. שיחות כ"ה 1, 48-59. [امير، د. (2010). مُسميون بدون مضيف، موجودون بدون اسم، حول انعدام "وظيفة الشاهد" في النفس].

 אמיר, ד. (2020). שפה טפילית. שיחות ל"ד 3, עמ' 209-214. . [امير، د. (2020). اللغة الطفيلية]

ארון, ל. (2013). מפגש: הדדיות ואינטרסובייקטיביות בפסיכואנליזה. עם עובד, תל אביב. [ارون، ل.(2013). اللقاء: التبادل والذاتية البينية في التحليل النفسي]

בוקסבאום, ט. (2018). מטפלת יהודייה מטופלות ערביות: קרקע, בית, נשים. פסיכולוגיה עברית. אוחזר מתוך https://www.hebpsy.net/articles.asp?id=3677 [بوكسباوم، ط. (2018). معالجة يهودية معالجات عربيات: ارض، بيت، نساء]

ביון, ו. (1959) התקפות על חיבורים. בתוך: במחשבה שניה. תרגום גיל-רילוב א. (2003) תולעת ספרים, תל אביב 95-108. [بيون، و. (1959). الهجوم على الروابط]

ביון, ו. (1962). ללמוד מן הניסיון. תל-אביב, תולעת ספרים (2004). [بيون، و. (1962). التعلم من التجربة]

בנג'מין, ג'.(2013). הכרה והרס: מתווה של אינטרסובייקטיביות. בתוך ס. מיטשל ול. ארון (עורכים). פסיכואנליזה התייחסותית- צמיחתה של מסורת.   . [بنجامين، ج. (2013). الاعتراف والهدم: مسار الذاتية البينية]

גמפל, י. (2005). ההורים שחיים דרכי: ילדי המלחמות. תרגום ברוך, ח. וקנר-שניידר, ש. (2010) כתר ספרים, ירושלים. . [جامبل، ي. (2005). الاهل الذين يعيشون من خلالي: أولاد الحرب]

גנאדרי-נסר, ס. (2012). השפעת החשיפה למלחמת 1948 על הבריאות הנפשית של הפלסטינים החיים בישראל: הערכה רטרוספקטיבית ושילוב שיטות מחקר איכותניות וכמותניות ( עבודת דוקטורט) . אוניברסיטת חיפה. [غنادري-نصر، ص. (2012). تأثير التعرض لحرب 1948 على الصحة النفسية للفلسطينيين الذين يعيشون في اسرائيل]

גרינברג, ל. (2022). זה לא אפרטהייד, זה גרוע יותר. הארץ. [جرينبرج، ل. (2022). هذا ليس ابرتهايد، هذا اكثر سوءًا]

ווניקוט, ד. (2004). משחק ומציאות. עם עובד. [ووينكوت، د. (2004). اللعب والواقع]

זיו, א. (2020). טראומות חברתיות במרחב הטיפולי. בטיפולנט. [زيف، أ. (2020). الصدمات الاجتماعية في الحيز العلاجي]

סבאע'־ח'ורי, א. (2018). קולוניאליזם התיישבותי, נקודת המבט הילידית והסוציולוגיה של ייצור ידע בישראל, תיאוריה וביקורת, 50, 391-418. [صباغ-خوري، أ. (2018) الاستعمار الاستيطاني، وجهة النظر الأصلانية وعلم الاجتماع حول انتاج المعرفة في اسرائيل]

 קוגן, ק. (2019). על אשמה נרקיסיסטית: התבוננות מחודשת על מקום ה"אשמה" בהגות הקוהוטיאנית. שיחות. ל"ג 3. [كوجان، ك. (2019). عن الذنب النرجسي: تمعن جديد بمكان "الذنب" في الفكر الكوهوتياني]

Abu el Hija, A. (2018). Intergenerational transmission of parental nakba related trauma experiences among the palestinans living in Israel, Doctoral dissertation, University of Konstanz.

Abu-Sitta, S. (2004). Atlas of Palestine 1948. Palestine Land Society, London.

Aibel, M. (2018) The Personal is Political is Psychoanalytic: Politics in the Consulting Room, Psychoanalytic Perspectives, 15:1, 64-101.

Benjamin, J. (2004) Beyond Doer and Done To: an Intersubjective View of Thirdness, The Psychoanalytic Quarterly, 73:1, 5-46.

Davis, R. (2007). Mapping the past, re-creating the homeland: Memories of village places in pr-1948 Palestine. In A. Sa'di, & L. Abu-Lughod (Eds). NAKBA- Palestine, 1948, and the Claims of memory. Columbia University Press, New York.

Even-Tzur, E.(2016). “The Road to the Village”: Israeli Social Unconscious and the Palestinian Nakba. International Journal of Applied Psychoanalytic Studies, 13(4): 305–322.

Frosh, S.(2013). Psychoanalysis, Colonialism, Racism. Journal of Theoretical and Philosophical Psychology, Vol. 33, No. 3, 141–154

Ghnadre-Naser, S.(2019). Between past and present- psychological effects of the Nakba among Palestinian citizens in Israel. In M. Haj Yahia, O. Nakash & I. Levav (Eds). Mental health and Palestinian citizens in Israel. Ch. 2, pp 20-40, Indiana University Press.

Ghnadre-Naser, S. & Somer, E, (2016)," “The wound is still open”: the Nakba experience among internally displaced Palestinians in Israel ", International Journal of Migration, Health and Social Care, Vol. 12 Iss 4 pp. 238 – 251.

Halperin, E., Bar-Tal, D. et al. (2010) Socio-psychological implications for an occupying society: The case of Israel. Journal of Peace Research 47(1): 59–70

Kassem, F. (2011). Palestinian women: Narrative histories and gendered memory. Zed Books, London.

Kemp, M. (2011). Dehumanization, guilt and large group dynamics with reference to the West, Israel, and the Palestinians. British Journal of Psychotherapy, 27(4), 383–405.

Landy, D. (2013). We are more than statistics and scattered body parts’: Telling stories and coalescing Palestinian history. International Sociology Review of Books, 28(2), 145–154

Liem, R. (2007). Silencing Historical Trauma: The Politics and Psychology of Memory and Voice. Peace and Conflict: Journal of Peace Psychology, 13(2), 153–174.

Nakhleh, K. (2009). Another Childhood Nakba memory. The Palestine Chronicle. Retrieved 17.11.2012: http://www.palestinechronicle.com/view_article_details.php?id=15611

Ram, U. (2009). Ways of forgetting: Israel and the obliterated memory of the Palestinian Nakba. Journal of historical sociology. 22(3), 366–395

Said E.(1998). Scenes from Palestine. Washington Report on Middle East Affairs, May/June 1998, Pages 8-9.

Sa'di, A. & Abu-Lughod, L. (2007). NAKBA- Palestine, 1948, and the Claims of memory. Columbia University Press, New York.

Sheehi, S. (2018) The Transnational Palestinian Self: Toward Decolonizing Psychoanalytic Thought, Psychoanalytic Perspectives, 15:3, 307-322.

Sheehi, S. & Sheehi, L. (2020).The settlers' town is a strongly built town: Fanon in Palestine.  International Journal of Applied Psychoanalytic Studies, 17 (2), Special Issue: The Settler Colonialism: The Palestinian/Israeli Case, pp. 183-192.

Srouji, E.(2004). The fall of a Galilean village during the 1948 Palestine war: An eyewitness account. Journal of Palestine Studies, 33(2), 71-80.

Srour, R. (2015), Transference and Counter-transference Issues during Times of Violent Political Conflict: The Arab Therapist – Jewish Patient Dyad, Clinical Social Work Journal. 43(1), 407-418.

Symington, N. (1983) . The analyst's act of freedom as agent of therapeutic change. The International Journal of Psychoanalysis, Vol 10(3), 283-291.

 

[1] الاقتباسات مكتوبة باللغة العربية الدارجة حسب ما تم بالمقابلات.

[2]  كل الأسماء مستعارة.

يعيش أفراد عائلة سلوى كلاجئين في لبنان، بينما بقيت هي مع عائلة زوجها كلاجئين داخليين. [3]

[4]  في الوقت الحالي ، تم طرح هذه القضية مرة أخرى للنقاش العام بعد فيلم ألون شفارتس، "الطنطورة".

[5]  إضافة لاستعمال اسمٍ مستعار، فقد تم تغيير وتعديل التفاصيل الخاصة حفاظًا على سرية العلاج.

תגובות

הוספת תגובה

צרו קשר

מוזמנים לכתוב לנו כאן או לדוא"ל: tarbutipuliti@gmail.com


×Avatar
זכור אותי
שכחת את הסיסמא? הקלידו אימייל ולחצו כאן
הסיסמא תשלח לתיבת הדוא"ל שלך.